کد مطلب:58515 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:119
وقوله: «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی»[2] . [صفحه 296] فهذان الخبران ممّا رواهما الشیعی والناصبی، وتلقّته الاُمّة بالقبول علی اختلافها فی النِحَل وتباینها فی المذاهب، وإن كانوا قد اختلفوا فی تأویله واعتقاد المراد به. فامّا وجه الاستدلال بخبر الغدیر ففیه طریقتان: أحدهما: أن نقول: إنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلّم قرّر اُمّته فی ذلك المقام علی فرض طاعته فقال: «ألست اولی بكم من أنفسكم» فلمّا أجابوه بالاعتراف وقالوا: بلی، رفع بید أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام وقال عاطفاً علی ما تقدّم: «فمن كنت مولاه فهذا علی مولاه[3] - وفی روایات اُخر: فعلیّ مولاه - اللهمّ وال من [صفحه 297] والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»[4] . فأتی علیه الصلاة والسلام بجملة یحتمل لفظها معنی الجملة الأولی التی قدّمها، وهو أنّ لفظة (مولی) تحتمل معنی أولی، وإن كانت تحتمل غیره، فیحب أن یكون أراد بها المعنی المتقدّم علی مقتضی استعمال أهل اللغة، وإذا كانت هذه اللّفظة تفید معنی الإمامة بدلالة أنّهم یقولون: السلطان أولی بإقامة الحدود من الرعیّة، والمولی أولی بعبده، وولد المیّت أولی بمیراثه منغیره، وقوله سبحانه: (النبی أولی بِالمُؤمِنِینَ مِن أنفُسِهِم)[5] لا خلاف بین المفسّرین أنّ المراد به أنّه أولی بتدبیر المؤمنین والأمر والنهی فیهم من كل أحد منهم. وإذا كان النبی صلّی الله علیه وآله وسلم أولی بالخلق من أنفسهم من حیث كان مفترض الطاعة علیهم، وأحق بتدبیرهم وأمرهم ونهیهم وتصریفهم بلا خلاف، وجب أن یكون ما أوجبه لأمیر المؤمنین علیه السلام فیكون أولی بالمؤمنین من أنفسهم، من حیث أنّ طاعته مفترضة علیهم، [صفحه 298] وأمره ونهیه ممّا یجب نفوذه فیهم، وفرض الطاعة والتحقق بالتدبیر من هذا الوجه لا یكون الآ لنبی أوامام، فاذا لم یكن علیه السلام نبیاً وجب أن یكون إماماً. وأمّا الطریقة الاُخری فی الاستدلال بهذا الخبر فهی: أن لا نبنی الكلام علی المقدّمة ونستدلّ بقوله: «من كنت مولاه فعلی مولاه» من غیراعتبار لما قبله، فنقول: معلومِ أنّ النبی صلّی الله علیه واله وسلّم أوجب لأمیرالمؤمنین علیه السلام أمراً كان واجباً له لا محالة، فیجب أن یعتبر ما تحتمله لفظة (مولی) من الأقسام، وما یصحّ كون النبیّ صلی الله علیه وآله وسلّم مختصاً به منها وما لا یصحّ، وما یجوز أن توجبه لغیره فی تلك الحال وما لا یجوز، وجمیع ما تحتمله لفظه (مولی) ینقسم إلی أقسام: منها: ما لم یكن ـ علیه واله السلام ـ علیه، وهو المعتق والحلیف لأنه لم یكن حاجفا لأحد، والحلیف الذی یحالف قبیلة وینتسب إلیهم لیتعزز بهم. ومنها: ما كان علیه، ومعلوم لكلّ أحد أنّه لم یرده وهو المعتق والجار والصهر والحلیف الإمام إذا عد من أقسام المولی وابن العمّ. ومنها: ما كان علیه، ومعلوم بالدلیل أنَه لم یرده، وهو ولایة الدیات والنصرة فیه والمحبّة أو ولاء العتق. ومما یدلّ علی أنّه لم یرده ذلك أنّ كلّ عاقل یعلم من دینه صلی الله علیه وآله وسلم وجوب موالاة المؤمنین بعضهم بعضاً ونطق القران بذلك، وكیف یجوز أن یجمع علیه وآله السلام ذلك الجمع العظیم فی مثل تلك الحال ویخطب علی المنبر المعمول من الرحال لیعلم الناس من دینه ما یعلمونه هم ضرورة. وكذلك ولاء العتق، فإنهم یعلمون أن ولاء العتق لبنی العمّ قبل الشریعة وبعدها. ویبطل ذلك أیضاً ما جاء فی الروایة من مقال عمر بن الخطاب له علیه [صفحه 299] السلام: بخّ بخّ یا علیّ أصبحت مولای ومولی كلّ مؤمن ومؤمنة[6] . ومنها: ما كان حاصلاً له ویجب أن یریده، وهو الأولی بتدبیر الاُمّة وأمرهم ونهیهم، لأنّا إذا أبطلنا جمیع الأقسام وعلمنا أنّه یستحیل أن یخلو كلامه من معنی وفائدة، ولم یبق إلاّ هذا القسم، وجب أن یریده، وقد بیّنا أنّ كلّمن كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة، وأمّا استیفاء الكلام فیه ففی الكتب الكبار[7] . [صفحه 300]
وأما النص من طریق الأخبار: فمثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم یوم غدیر خمّ: «من كنت مولاه فعلی مولاه»[1] .
صفحه 296، 297، 298، 299، 300.
وغیر ذلك من مصادر العامة المختلفة التی یصعب حصرها هنا، حیت تتكفل فی ذلك المراجع المختصة بهذا الباب، ولعل من أوضح التعلیقات المؤیدة لهذا الأمر ما ذكره الحسكانی فی كتابه شواهد التنزیل (1: 52ا) عن أحد المشایخ وهو عمر بن أحمد بن إبراهیم العبدوی (ت 417 هـ) والذیَ یُترجم له بأنه كان صادقاً عارفاً حافظاً وغیر ذلك من عبارات الثناء والتقدیر كما یذكر ذلك الخطیب البغدادی فی تاریخه (11: 272) والذهبی فی تذكرة الحفاظ (4: 1272 و 1072). فذكر الحسكانی عنه قوله: خرجته ـ أی حدیث المنزلة ـ بخمسة آلاف إسناد. فتأمل. وقد وافقهم علی ذلك جملة من علماء العامة ممن هداهم الله تعالی الی ادراك هذه الحقیقة الناصعة والثابتة، مثل الحافظ أبی الفرج یحیی بن السعید الثقفی الاصبهانی فی كتابه الموسوم بكتاب «مرج البحرین» والعلامة سبط ابن الجوزی فی كتابه «تذكرة الخواص: 37»، حیث ذكر سبل الاستدلال للوصول إلی ما ذهب إلیه الشیعة الامامیة من تفسیرهم لكلمة «المولی»، سنحاول أن نورده مختصراً، قال: اتفق علماء السیر علی أن قصة الغدیر كانت بعد رجوع النبی صلی الله علیه وآله وسلم من حجة الوداع فی الثامن عشر من ذی الحجة حیث جمع الصحابة ـ وكانوا مائة وعشرین ألفاً ـ وقال: «من كنت مولاه فعلی مولاه.. . الحدیث» حیث نص صلی الله علیه وآله وسلم علی ذلك بصریح العبارة دون الاشارة. ثم ذكر بعد ذلك قصة الحرث بن النعمان الفهری عند سماعه الخبر حیث جاء إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلمَ فقال له: هذا منك أو من الله؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ـ وقد احمرت عیناه ـ والله الذی لا إله إلا هو أنه من الله ولیس منی». قالها ثلاثاً. وبعد ان ذكر ابن الجوزی هذه القصة عرج فذكر أقوال علماء العربیة فی تفسیرهم للفظة «المولی» وانها ترد علی عشرة وجوه، وناقش هذه الوجوه المذكورة وبیّن بطلان الذهاب الی تفسیرها بالوجوه التسعة الاولی، والتی تفسرها بانها تعنی المالك أو المعتق أو الناصیة.. . إلخ، وذهب إلی إثبات حتمیة تفسیرها بالوجه العاشر دون غیره من الوجوه، وهو «الاولی»، حیث قال: فتعین الوجه العاشر وهو «الاولی» ومعناه: من كنت أولی به من نفسه فعلی أولی به، وقد صرح بهذا المعنی الحافظ أبو الفرج یحیی بن السعید الثقفی الاصبهانی فی كتابه المسمی«مرج البحرین»، فبعد ان ذكر الحدیث قال. فعلم ان جمیع المعانی راجعة إلی الوجه العاشر ـ الأولی ـ ودل علیه أیضاً قوله علیه السلام «الست أولی بالمؤمنین من أنفسهم» وهذا نص صریح فی إثبات امامته وقبول طاعته، وكذا قوله صلی الله علیه وآله وسلم «وأدر الحق معه حیث ما دار وكیف ما دار» فیه دلیل علی أنه ما جری خلاف بین علی علیه السلام وبین أحد من الصحابة إلا والحق مع علی وهذا باجماع الاُمة الا تری أن العلماء إنما استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفین.